نصاب النقود بين توصيف النقد واقتضاء المصالح
الملخص
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله على من تشرفت الدنيا بمبعثه هادياً ومبشراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:
فإن من مقتضيات العدل الإلهي أن الله تعالى حينما فرض الزكاة لم يترك تحديد أوعيتها لاجتهاد البشر، وإنما حصرها في مصارف مخصوصة بعينها جمعها قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [1](3) فهي ثمانية أصناف تستوعب كل ذي عوز وفاقة، ولم يبق ذو احتياج إلاّ وهو داخل فيها.
ويمَكّن افتتاح هذه الآية بالفقير واختتامها بابن السبيل من قراءة واستبصار إيضاءات القرآن وإيحاءاته إلى نكات إعجازية في الجمع بين الفقير والغني في استحقاق الزكاة في مواقف محددة بعينها، بحيث تكون الحاجة مظنة الدفع في الفقر، وكذا احتياج من قُطعت به السبل أو خرج مجاهداً في سبيل الله تاركاً ماله وعياله ولو كان غنيّاً، فصار في حكم الفقير، ومن ثم استوجب دفع الزكاة له، بل وتقديمه على بعض المصارف الأخرى، ويشهد لذلك اختتام الآية بقوله " والله عليم حكيم " فهو تذييل " أفاده الحصر بإنّما في قوله إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلخ أي والله عليم حكيم في قصر الصدقات على هؤلاء، أيْ أنّه صادر عن العليم الذي يعلم ما يناسب في الأحكام، والحكيمِ الذي أحكم الأشياء التي خلقها أو شرعها "[2](1)
وقد اختيرت هذه المصارف لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، فضلا عن استتباب الأمن وصرف أعين المحتاجين عما في أيدي ذوي الغنى واليسار.
ثم إن المصلحة في أداء الزكاة يجني ثمارها الأغنياء قبل الفقراء؛ لأنهم يسهمون بها في تنمية ودعم القوة الشرائية للفقراء، فتنمو بذلك أموال المزكين ويربح المجتمع كله بكثرة التعاملات النفعية والمبادلات المادية، لذا عقّب السياق القرآني بعد ذكر المصارف بقوله تعالى " فريضة من الله " وجاء لفظ فريضة منصوباً " لأنّه يفيد معنى فَرضَ اللَّهُ أو أوجبَ ، فأكّد بفريضة من لفظ المقدّر ومعناه، والمقصود من هذا تعظيم شأن هذا الحكم والأمر بالوقوف عنده" [3](2)
واتّباعاً لما هو وارد في محاور المؤتمر وإيماناً بأهدافه السامية التي منها " تحليل واقع الزكاة في المجتمع الليبي بهدف تحسينه، والارتقاء بتطبيقاتها العملية المعاصرة " فإن الباحث سيتناول مسألة " تحديد النصاب" التي هي من ضمن عناصر المحور الأول الشرعي (فقه الزكاة بين التزام التوقيف ومراعاة المقاصد ) مع الاقتصار على نصاب النقود والعملات الورقية المتعامل بها الآن.